كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال الإمام النسفي في تفسير التيسير وأنا أعدها على ترتيب أختاره وعلى الاجتهاد فأقول: بدأ فيه بالتهليل والذي يليه التكبير والتسبيح والتحميد والتمجيد والتجريد والتفريد والتوبة والإنابة والنظافة والطهارة والصلاة والزكاة والصيام والقيام والاعتكاف والحج والعمرة والقربان والصدقة والغزو والعتق وقراءة القرآن وملازمة الإحسان ومجانبة العصيان وترك الطغيان وهجر العدوان وتقوى الجنان وحفظ اللسان والثناء والدعاء والخوف والرجاء والحياء والصدق والصفاء والنصح والوفاء والندم والبكاء والإخلاص والذكاء والحلم والسخاء والشكر في العطية والصبر في البلية والرضى بالقضية والاستعداد للمنية واتباع السنة وموافقة الصحابة وتعظيم أهل الشيبة والعطف على صغار البرية والاقتداء بعلماء الأمة والشفقة على العامة واحترام الخاصة وتعظيم أهل السنة وأداء الأمانة وإظهار الصيانة والإطعام والإنعام وبر الأيتام وصلة الأرحام وإفشاء السلام وصدق الاستسلام وتحقيق الاستعصام والزهد في الدنيا والرغبة في العقبى والموافقة للمولى ومخالفة الهوى والحذر من لظى وطلب جنة المأوى وبث الكرم وحفظ الحرم والإحسان إلى الخدم وطلب التوفيق وحفظ التحقيق ومراعاة الجار والرفيق وحسن الملكة في الرقيق وأدناها إماطة الأذى عن الطريق فمن استكمل الوفاء بشعب الإيمان نال بوعد الله كمال الأمان وهو الذي قال الله تعالى فيه: {الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أولئك لَهُمُ الامْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: 82] {تِلْكَ ءَايَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} تلك مبتدأ خبره ما بعده أي هذه السورة آيات القرآن الظاهر إعجازه وصحة أنه كلام الله ولو لم يكن كذلك لقدروا على الإتيان بمثله ولما عجزوا عن المعارضة فهو من أبان بمعنى بان أو ظهر أو المبين للأحكام الشرعية وما يتعلق بها.
وفي التأويلات النجمية: يشير إلى أن هذه الحروف المقطعة هاهنا وفي أوائل السور ليست من قبيل الحروف المخلوقة بل من قبيل آيات الكتاب المبين القديمة إذ كل حرف منها دال على معان كثيرة كالآيات {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ} لعل للإشفاق أي الخوف والله تعالى منزه عنه فهو بالنسبة إلى النبي عليه السلام يقال: بخع نفسه قتلها غمًا وفي الحديث: «أتاهم أهل اليمن هم أرق قلوبًا وأبخع طاعة» فكأنهم في قهرهم نفوسهم بالطاعة كالباخعين إياها وأصل البخع أن يبلغ بالذبح البخاع وذلك أقصى حد الذبح وهو بالكسر عرق في الصلب غير النخاع بالنون مثلثة فإنه الخيط الذي في جوف الفقار ينحدر من الدماغ ويتشعب منه شعب في الجسم والمعنى أشفق على نفسك وخف أن تقتلها بالحزن بلا فائدة وهو حث على ترك التأسف وتصبير وتسل له عليه السلام.
{أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} مفعول له بحذف المضاف أي خيفة أن لا يؤمن قريش بذلك الكتاب المبين فإن الخوف والحزن لا ينفع في إيمان من سبق حكم الله بعدم إيمانه كما أن الكتاب المبين لم ينفع في إيمانه فلا تهتم فقد بلغت.
وفي التأويلات النجمية: يشير إلى تأديب النبي عليه السلام لئلا يكون مفرطًا في الرحمة والشفقة على الأمة فإنه يؤدي إلى الركون إليهم وأن التفريط في ذلك يؤدي إلى الفظاعة وغلظ القلب بل يكون مع الله مع المقبل والمدبر.
ثم بين أن إيمانهم ليس مما تعلقت به مشيئة الله تعالى فقال: {إِن نَّشَأْ} اكرما خواهيم {نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ ءَايَةً} دالة ملجئة إلى الإيمان كإنزال الملائكة أو بلية قاسرة عليه كآية من آيات القيامة {فَظَلَّتْ} فصارت ومالت أي فتظن {أَعْنَاقُهُمْ} أي: رقابهم.
وبالفارسية س كردد كردنهاي ايشان.
{لَهَا} أي: لتلك الآية {خَاضِعِينَ} منقادين فلا يكون أحد منهم يميل عنقه إلى معصية الله ولكن لم نفعل لأنه لا عبرة بالإيمان المبني على القسر والإلجاء كالإيمان يوم القيامة وأصله فظلوا لها خاضعين فإن الخضوع صفة أصحاب الأعناق حقيقة فأقحمت الأعناق لزيادة التقرير ببيان موضع الخضوع وترك الخبر على حاله.
وفيه بيان أن الإيمان والمعرفة موهبة خاصة خارجة عن اكتساب الخلق في الحقيقة فإذا حصلت الموهبة نفع الإنذار والتبشير وإلا فلا فليبك على نفسه من جبل على الشقاوة.
{وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ}.
من موعظة من المواعظ القرآنية أو من طائفة نازلة من القرآن تذكرهم كل تذكير وتنبههم أتم تنبيه كأنها نفس الذكر.
{مِّنَ الرَّحْمَنِ} بوحيه إلى نبيه دل هذا الاسم الجليل على أن إتيان الذكر من آثار رحمة الله تعالى على عباده.
{مُحْدَثٍ} مجدد إنزاله لتكرير التذكير وتنويع التقرير فلا يلزم حدوث القرآن.
{إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ}.
إلا جددوا إعراضًا عن ذلك الذكر وعن الإيمان به وإصرارًا على ما كانوا عليه والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال محله النصب على الحالية من مفعول يأتيهم بإضمار قد وبدونه على الخلاف المشهور أي ما يأتيهم من ذكر في حال من الأحوال إلا حال كونهم معرضين عنه.
{فَقَدْ كَذَّبُوا} بالذكر عقيب الإعراض فالفاء للتعقيب أي جعلوه تارة سحرًا وأخرى شعرًا ومرة أساطير.
{فَسَيَأْتِيهِمْ} البتة من غير تخلف أصلًا والفاء للسببية، أي لسبب إعراضهم المؤدي إلى التكذيب المؤدي إلى الاستهزاء.
{أَنبَاؤُا مَا كَانُوا بِه يَسْتَهْزِءُونَ} أي: أخبار الذكر الذي كانوا يستهزئون به من العقوبات العاجلة والآجلة التي بمشاهدتها يقفون على حقيقة حال القرآن بأنه كان حقًا أو باطلًا وكان حقيقًا بأن يصدق ويعظم قدره أو يكذب فيستخف أمره كما يقفون على الأحوال الخافية عنهم باستماع الأنباء وفيه تهويل له لأن النبأ لا يطلق إلا على خبر خطير له وقع عظيم.
{أَوَلَمْ يَرَوْا} الهمزة للإنكار التوبيخي والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أفعل المكذبون من قريش ما فعلوا من الإعراض عن الآيات والتكذيب والاستهزاء بها ولم ينظروا.
{إِلَى الأرْضِ} أي إلى عجائبها الزاجرة عما فعلوا الداعية إلى الإقبال إلى ما أعرضوا.
{كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا} {مِن كُلِّ زَوْجٍ} كريك ازهر صنفي كاه نيكو وبسنديده ون رياحين وكل نسرين وبنفشه وياسمين وشكوفهاى رنكارنك وبركهاي كوناكون وسائر نباتات نافعة مما يأكل الناس والأنعام.
قال أهل التفسير: كم خبرية منصوبة بما بعدها على المفعولية والجمع بينها وبين كل لأن كل للإحاطة بجميع أزواج النبات وكم لكثرة المحاط به من الأزواج ومن كل زوج أي صنف تمييز والكريم من كل شيء مرضيه ومحموده يقال وجه كريم أي مرضي في حسنه وجماله وكتاب كريم مرضي في معانيه وفوائده وفارس كريم مرضي في شجاعته وبأسه.
والمعنى كثير من كل صنف مرضي كثير المنافع أنبتنا فيها وتخصيص النبات النافع بالذكر دون ما عداه من أصناف الضار وإن كان كل نبت متضمنًا لفائدة وحكمة لاختصاصه بالدلالة على القدرة والنعمة معًا.
واعلم أنه سبحانه كما أنبت من أرض الظاهر كل صنف ونوع من النبات الحسن الكريم كذلك أنبت في أرض قلوب العارفين كل نبت من الإيمان والتوكل واليقين والإخلاص والأخلاق الكريمة كما قال عليه السلام: «لا إله إلا الله ينبت الإيمان كما ينبت البقل».
قال أبو بكر بن طاهر: أكرم زوج من نبات الأرض آدم وحواء فإنهما كانا سببًا في إظهار الرسل والأنبياء والأولياء والعارفين.
قال الشعبي: الناس من نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم ومن دخل النار فهو لئيم {إِنَّ فِي ذَالِكَ} أي: في الإنبات المذكور أو في كل واحد من تلك الأصناف.
{لآيَةً} عظيمة دالة على كمال قدرة منبتها وغاية وفور علمه ونهاية سعة رحمته موجبة للإيمان زاجرة عن الكفر.
{وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم} أي أكثر قومه عليه السلام.
{مُؤْمِنِينَ} مع ذلك لغاية تماديهم في الكفر والضلالة وانهماكهم في الغي والجهالة وكان صلة عند سيبويه لأنه لو حمل على معنى ما كان أكثرهم في علم الله وقضائه لتوهم كونهم معذورين في الكفر بحسب الظاهر وبيان موجبات الإيمان من جهته تعالى يخالف ذلك.
يقول الفقير: قوله تعالى: {إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ} الآية ونظائره يدل على المعنى الثاني ولا يلزم من ذلك المعذورية لأنهم صرفوا اختيارًا إلى جانب الكفر والمعصية وكانوا في العلم الأزلي غير مؤمنين بحسب اختيارهم ونسبة عدم الإيمان إلى أكثرهم لأن منهم من سيؤمن.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ} الغالب القادر على الانتقام من الكفرة.
{الرَّحِيمُ} المبالغ في الرحمة ولذلك يمهلهم ولا يأخذهم بغتة.
وقال في كشف الأسرار: يرحم المؤمن الذين هم الأقل بعد الأكثر.
وفي التأويلات النجمية: بعزته قهر الأعداء العتاة وبرحمته ولطفه أدرك أولياء بجذبات العناية.
وعن السري السقطي قدس سره قال: كنت يومًا أتكلم بجامع المدينة فوقف عليّ شاب حسن الشباب فاخر الثياب ومعه أصحابه فسمعني أقول في وعظي: عجبًا لضعيف يعصي قويًا فتغير لونه فانصرف فلما كان الغد جلست في مجلسي وإذا به قد أقبل فسلم وصلى ركعتين وقال: يا سري سمعتك بالأمس تقول: عجبًا لضعيف كيف يعصي قويًا فما معناه؟ فقلت: لا أقوى من الله ولا أضعف من العبد وهو يعصيه فنهض فخرج ثم أقبل من الغد وعليه ثوبان أبيضان وليس معه أحد فقال: يا سري كيف الطريق إلى الله تعالى؟ فقلت: إن أردت العبادة فعليك بصيام النهار وقيام الليل وإن أردت الله فاترك كل شيء سواه تصل إليه وليس إلا المساجد والمحراب والمقابر فقام وهو يقول: والله لا سلكت إلا أصعب الطرق وولى خارجًا فلما كان بعد أيام أقبل إليّ غلمان كثير فقالوا: ما فعل أحمد بن يزيد الكاتب فقلت: لا أعرف إلا رجلًا جاءني من صفته كذا وكذا وجرى لي معه كذا وكذا ولا أعلم حاله فقالوا: بالله عليك متى عرفت حاله فعرفنا ودلنا على داره فبقيت سنة لا أعرف له خبرًا فبينا أنا دات ليلة بعد العشاء الآخرة جالس في بيتي إذ بطارق يطرق الباب فأذنت له في الدخول فإذا بالفتى عليه قطعة من كساء في وسطه وأخرى على عاتقه ومعه زنبيل فيه نوى فقبل بين عيني وقال: يا سري أعتقك الله من النار كما أعتقتني من رق الدنيا فأومأت إلى صاحبي أن امض إلى أهله فأخبرهم فمضى فإذا زوجته قد جاءت ومعها ولده وغلمانه فدخلت وألقت الولد في حجره وعليه حلي وحلل وقالت: يا سيدي أرملتني وأنت حيّ وأيتمت ولدك وأنت حيّ قال السري: فنظر إليّ وقال: يا سري ما هذا وفاء ثم أقبل عليها وقال: والله إنك لثمرة فؤادي وحبيبة قلبي وإن هذا ولدي لأعز الخلق عليّ غير أن هذا السري أخبرني أن من أراد الله قطع كل ما سواه ثم نزع ما على الصبي وقال: ضعي هذا في الأكباد الجائعة والأجساد العارية وقطع قطعة من كسائه فلف فيها الصبي فقالت المرأة: لا أرى ولدي في هذه الحالة وانتزعته منه فحين رآها قد اشتغلت به نهض وقال: ضيعتم عليّ ليلتي بيني وبينكم الله وولى خارجًا وضجت المرأة بالبكاء فقالت: إن عدت يا سري سمعت له خبرًا فأعملني فقلت: إن شاء الله فلما كان بعد أيام أتتني عجوز فقال: يا سري بالشونيزية غلام يسألك الحضور فمضيت فإذا به مطروح تحت رأسه لبنة فسلمت عليه ففتح عينيه وقال: ترى يغفر تلك الجنايات؟ فقلت: نعم قال: يغفر لمثلي قلت: نعم قال: أنا غريق قلت: هو منجي الغرقى فقال: علي مظالم فقلت: في الخبرأن يؤتى بالتائب يوم القيامة ومعه خصومه فيقال لهم: خلوا عنه فإن الله تعالى يعوضكم فقال: يا سري معي دراهم من لقط النوى إذا أنا مت فاشتر ما أحتاج إليه وكفني ولا تعلم أهلي لئلا يغيروا كفني بحرام فجلست عنده قليلًا ففتح عليه وقال لمثل هذا فليعمل العاملون ثم مات فأخذت الدراهم فاشتريت ما يحتاج إليه ثم سرت نحوه فإذا الناس يهرعون إليه فقلت ما الخبر فقيل: مات وليّ من أولياء الله نريد أن نصلي عليه فجئت فغسلته ودفناه فلما كان بعد مدة وفد أهله يستعلمون خبره فأخبرتهم بموته فأقبلت امرأته باكية فأخبرتها بحاله فسألتني أن أريها قبره فقلت: أخاف أن تغيروا أكفانه قالت: لا والله فأريتها القبر فبكت وأمرت بإحضار شاهدين فأحضرا فاعتقت جواريها ووقفت عقارها وتصدقت بمالها ولزمت قبره حتى ماتت رحمة الله تعالى عليهما. اهـ.